جلاسنر.. المهندس الهادئ الذي قاد كريستال بالاس من ظلام القاع إلى ضوء المجد

جلاسنر.. المهندس الهادئ الذي قاد كريستال بالاس من ظلام القاع إلى ضوء المجد

جلاسنر.. المهندس الهادئ الذي قاد كريستال بالاس من ظلام القاع إلى ضوء المجد

في زمنٍ تطغى فيه النتائج السريعة على صبر المشاريع طويلة النفس، خرج أوليفر جلاسنر من الظل، ليقود كريستال بالاس نحو واحدة من أكثر قصص الإنجاز سحرًا في تاريخ الكرة الإنجليزية، متوجًا الفريق بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي لأول مرة منذ تأسيسه.

ليس الفوز على مانشستر سيتي في النهائي هو ما يجعل الإنجاز عظيمًا فقط، بل الطريق الوعرة التي سار فيها الفريق، واليد التي لم ترتجف، حين كان كل شيء يشير إلى الانهيار، koora live.

من القاع.. بدأ الحلم

بداية موسم 2024-2025 كانت كابوسًا بكل المقاييس. ثماني جولات دون انتصار، ثلاث نقاط فقط، وذيل الترتيب يبتلع النادي. كانت الصحف تتحدث عن إقالة وشيكة، والمشجعون يتساءلون: من هذا المدرب النمساوي الذي لا يعرف الدوري الإنجليزي جيدًا؟

لكن جلاسنر تمسك برؤيته، وأطلق جملته الشهيرة:
“هذا وقت احتضان اللاعبين، لا ركلهم.”
كانت تلك العبارة بمثابة تعويذة لبداية جديدة، عنوانها: الثقة الهادئة.

جراح صيفية.. وأمل يتشكل

لم تكن الظروف رحيمة. الفريق فقد اثنين من أبرز أعمدته: مايكل أوليسيه الذي انتقل إلى بايرن ميونخ، والمدافع يواكيم أندرسن الذي رحل إلى فولهام في صفقة ضخمة.

زاد الطين بلة، أن كثيرًا من اللاعبين عادوا مرهقين من مشاركات دولية في يورو 2024، كوبا أمريكا، والأولمبياد. ورغم أن السوق لم يكن كريمًا، إلا أن التعاقدات في اليوم الأخير (مثل نكيتياه، تشالوباه، مات تورنر) كانت كافية لجلاسنر ليرسم شكلًا جديدًا لفريقه.

التحول التكتيكي.. والرهان على الفردي

في ظل الموارد المحدودة، لم يحاول جلاسنر تقليد الكبار، بل صنع طريقه الخاص. بنى منظومة هجومية ترتكز على ماتيتا كنقطة ثقل في المقدمة، خلفه الثنائي المتحرّك إيزي وسار، لتتحول المرتدات إلى سلاح قاتل.

ومع مرور الوقت، لم يعد الفريق يخشى أحدًا. أسقط فولهام، وتجاوز أستون فيلا، حتى وصل إلى ويمبلي، حيث كتب إيزي هدف البطولة، وكتب هندرسون اسمه بين عظماء النهائيات بتصدياته الرائعة.

الصلابة الدفاعية.. والانسجام الذي لا يُشترى

لم يكن كريستال بالاس مجرد هجوم مرتد. ثلاثي الدفاع ريتشاردز، لاكرو، وجويهي قدموا نموذجًا نادرًا للتفاهم، أما الحارس دين هندرسون، فكان الحصن الذي لا يُخترق، سيما في النهائي حين تصدى لمحاولات مرعبة من هالاند ودوكو ودي بروين.

جلاسنر صنع منظومة تؤمن بأن الدفاع ليس تراجعًا، بل تنظيم، وأن الهجوم لا يُبنى فقط على المهارة، بل على التوقيت والدقة.

في ويمبلي.. خطة واحدة: الواقعية

دخل كريستال بالاس النهائي وهو يعلم تمامًا أن السيطرة ليست له. لكن الخطة كانت بسيطة: امتصاص الضغط، ثم طعنة مرتدة قاتلة. ومن أول لمسة داخل منطقة جزاء السيتي، نفذ مونيوز وإيزي الخطة بإتقان تام.

ومثلما رفض جلاسنر تحميل لاعبيه المسؤولية في بداية الموسم، رفض أيضًا الانجراف خلف النشوة قبل النهائي، حين قال:
“لا تتحدث عن البيضة قبل أن تضعها الدجاجة.”
عبارة أخرى من قاموس مدرب لا يُصدّق إلا ما يراه يتحقق في الملعب.

جلاسنر.. المشروع الذي صمد في وجه الشك

ما فعلته إدارة كريستال بالاس هذا الموسم لم يكن إعجازًا ماليًا، بل إيمانًا نادرًا في زمن الإقالات السريعة. جلاسنر، الذي سبق أن توج مع فرانكفورت بالدوري الأوروبي، أعاد إثبات نفسه كأحد أذكى مدربي الجيل، رجل يعرف كيف يدير المواقف الصعبة، ويحوّل الرماد إلى نار.

لكن النجاح يجلب التحديات. إيزي أصبح على رادار مانشستر سيتي، وجويهي مطلوب في نيوكاسل. وقد يرحل بعض النجوم، لكن الأهم أن الأساس أصبح واضحًا:
جلاسنر هو المشروع.
وما دام على رأس الدكة، فإن المستقبل يفتح أبوابه حتى لو أُغلقت بعض النوافذ.

مقالات ذات صلة